بشار
بن يرجوخ من كبار شعراء الدولة العباسية الذي مثل بشعره وحياته ومواقفه
ظاهرة تدل على العصر الذي نشأ فيه فقد ولد هذا الشاعر في نهاية القرن
الاول الهجري وكانت شمس الدولة الاموية تؤذن بالافول، وقد عاصر في مطلع
شبابه موقف الدولة الاموية من تعصب للعرب على حساب العجم، وكان بشار
فارسيا من ناحية آبائه واجداده، وقد ذكر الاصمعي له ستا وعشرين جدا اعجميا
وكان مولى لبني عقيل من ناحية ابيه او من ناحية امه او من الناحيتين طبقا
لروايات متعددة وكان بشار قد ولد اعمى، وان كان قد رضي عن هذه العاهة بعد
ان خبر الدنيا وقال: انها تحجب عني رؤية ما اكره مما يدل على ان من كان
يكرههم يفوقون بكثير من كان يرغبهم من اهل عصره ثم ان بشار بن برد كان
دميم الخلقة ضخم الجسم جريئا في الاستخفاف بكثير من الاعراف والتقاليد
نهما مقبلا على المتعة بصورها المتعددة الخمر والنساء والغناء، عاش بشار
بن برد ما يقرب من سبعين عاما قبل ان يقتله الخليفة العباسي المهدي متهما
اياه بالزندقة وكان بشار الى جانب جرأته في غزله يهجو من لا يعطيه وكان قد
مدح الخليفة المهدي فمنعه الجائزة فأسرها بشار في نفسه وهجاه هجاء مقذعا
بل وهجا وزيره يعقوب بن داود وافحش في هجائه لهما فتعقبه الخليفة المهدي
واوقع به وقتله.
كان
بشار يسخر من عصره انتقاما لاحتقار بني جنسه من الاعاجم ايام بني امية،
فلما جاءت الدولة العباسية قرب الفرس اعترافا بدورهم في القضاء على الدولة
الاموية أساء بشار فهم الحرية والعصر الجديد ويبدو ان عاهته وقبحه كانت
كلها وراء هذه الجرأة في التهام الحياة والاقبال عليها والتنعم بها غير
مبال بشيء وكأن حياته كلها ليست الا ردا متماديا في القسوة على الرزايا
التي وجد نفسه مقيدا بنارها، روى بشار عن نفسه انه انشد اكثر من اثني عشر
الف قصيدة ولكن ما وصل الينا من شعره لا يرى في هذا القول سوى مبالغة
هائلة فشعره ليس كثير او يعلل بعض من يرون ان ما وصل الينا اقل بكثير مما
قاله بشار.
ان الرقابة الدينية والسياسية والاجتماعية في عصره قد حذفت كثيرا من شعره بعد وفاته وهو متهم في معظمه خاصة في الغزل والهجاء.
عرف بشار بن برد ان الاقبال على الحياة يكلف المرء مالا كثيرا فأصبح شعره يتردد بين عدة اغراض منها:
الغزل
وهو يعبر عن فتنته الحسية بالنساء خلال مخالطة وخبرة فقد كان يجلس فيما
يشبه الصالون العصري يتقبل النساء الراغبات في سماع شعره او المغنيات
اللواتي حفظن هذا الشعر ليتغنين به والغرض الثاني هو المديح فانه الوسيلة
التي يمكن ان تدر عليه المال الذي يحتاجه لينفقه في ملذاته ولذا كان
مبالغا في مدائحه طمعا في رضا الممدوح لإغرائه بالعطاء والغرض الثالث هو
الهجاء,, وكان بشار شديد الوطأة في هجائه خاصة على هؤلاء الذين يمتنعون عن
عطائه وقد كان بشار يرتاد مجالس اللهو والغناء يقول في مغنية:
[size=16][size=12]
[size=12][size=12][size=16][size=12][size=16][size=12][size=16][size=12][size=16][size=12][size=16][size=12][size=16][size=21]وذات دل كأن البدر صورتها =
[/size][/size][/size]
باتت تغني عميد القلب سكرانا
[/size][/size][/size][/size]
[size=12][size=16]
[size=12][size=21]ان العيون التي في طرفها حور = قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
قلت احسنت يا سؤلي ويا املي = فاسمعيني جزاك الله احسانا
[size=12]
[size=21]يا حبذا جبل الريان من جبل = وحبذا ساكن الريان من كانا
قالت فهلا فدتك النفس احسن من = هذا لمن كان صب القلب حيرانا
يا قوم اذنى لبعض الحي عاشقة = والأذن تعشق قبل العين احيانا
فقلت احسنت انت الشمس طالعة = اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا
فاسمعيني صوتا مطربا هزجا = يزيد صبا محبا فيك اشجانا
يا ليتني كنت تفاحا مفلجة = او كنت من قضب الريحان ريحانا
حتى اذا وجدت ريحي فأعجبها = ونحن في خلوة مثلت انسانا
فحركت عودها ثم انثنت طربا = تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا
اصبحت اطوع خلق الله كلهم = لاكثر الخلق لي في الحب عصيانا
قلت اطربينا يا زين مجلسنا = فهات انك بالاحسان اولانا
لو كنت اعلم أن الحب يقتلني = اعددت لي قبل ان القاك اكفانا
فغنت الشرب صوتا مؤنقا رملا = يذكي السرور ويبكي العين الوانا
لا يقتل الله من دامت مودته = والله يقتل اهل الغدر احيانا
[/size][/size][/size][/size][/size][/size] [/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]
هذه
الأبيات نموذج دال على غزل بشار بن برد هذا الغزل الذي يتسم بالرقة
والبساطة والحواريات التي تعبر عن شخصية اجتماعية تؤثر الجلوس والائتناس
في مجالس الغناء واللهو وقد ضمن بشار قصيدته بعض ابيات لجرير مثل البيت
الثاني والبيت الرابع ويبدو ان بشار كان مولعا بجرير فقد حاول في مطلع
شبابه ان يهجوه حين كان العصر عصر هجاء والمعروف بالنقائض بين جرير
والفرزدق لكن جريرا استصغره ولم يرد عليه وقد تحسر بشار لان جريراً لم يرد
على هجائه لانه كان يطلب الشهرة حيث كان جرير شاعرا يملأ الساحة الشعرية
الاموية ويبدو ان بشار ظل على حبه لجرير لانه طلب من المغنية ان تغني
ابياته التي يقول فيها: ان العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين
قتلانا يبدو انه كان يتخذ هذا الحديث عن جرير تعلة لاعلان شأن نفسه، كما
حاول ذلك في صباه فقد جعل المغنية ترد عليه في القصيدة فتقول له انها
ستغني شعرا افضل من هذا وقالت البيت المشهور لبشار يا قوم اذني لبعض الحي
عاشقة والاذن تعشق قبل العين احيانا وهكذا يظل بشار مفتونا بشعره وبالنساء
وبالحياة التي اقتحمها معبرا عن الاقتحام ببيته الذي يقول فيه:
[size=21]من راقب الناس لم يظفر بحاجته = وفاز بالطيبات الفاتك اللهج[/size]
[size=16]وقد أخذ الشاعر سلم الخاسر هذا المعنى في الفاظ ابسط فقال:
من راقب الناس مات غما = وفاز باللذة الجسور
وقد عشق بشار بن برد امرأة يقال لها عبدة يقول فيها:
يزهدني في حب عبدة معشر = [size=21]قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى = فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحب
فما تبصر العينان في موضع الهوى = ولا تسمع الاذنان الا من القلب
وما الحسن الا كل حسن دعا الصبا = وألف بين العشق والعاشق الصب
يشكو الم الوجد,.
وشجن الصبابة وارق العشاق فيقول بشار:
لم يطل ليلي ولكن لم انم = ونفى عني الكرى طيف الم
واذا قلت لها جودي لنا = خرجت بالصمت عن لا ونعم
[/size]
[/size]